الاحتلال يحرم العرائس فرحة العمر...

غزة ـ محاسن أصرف: في غزة المحاصرة ما عاد شيئاً على حاله، أطفال افتقدوا الفرح لم تلون عيونهم نظرات الطفولة البريئة، وطلاب علم لم يتمكنوا من العودة مجدداً إلى مقاعدهم الدراسية في جامعات الدول العربية والأجنبية بعد إجازة صيفية قضوها في كنف الأهل والأصدقاء الذين ذابوا شوقاً لرؤية محياهم طوال سنين مضت.

في غزة حتى الزيجات لم تكتمل تفاصيلها باجتماع العروس والعريس على كوشة في مكان واحد، تفرقا بين غزة وغيرها من مدن وبلدان الدول العربية التي استقر فيها العريس للعمل ورسم تفصل المستقبل فقط جمعهما هاتف الجوال برنات ومسجات تخبر بكلمات الشوق والحنين، وكلمات أخرى تشد الأزر وتوعد باللقاء القريب بإذن الله لكن اللقاء لم يأتِ بعد فالمعابر موصدة ولا أحد يستطيع الدخول أو الخروج من القطاع الحزين المحاصر.

واحدة من هؤلاء كانت زينة التي تعيش رغم ألمها تأمل بانفراج أزمة المعابر ليكون اللقاء بالزوج الذي ارتبطت به بالخطوبة منذ أعوام ثلاثة، كانت كوردة الشتاء الذابلة من تدافع زخات المطر على أغصانها وأوراقها، غائرة العينين شاحبة الوجه حزينة الملامح حتى كلماتها كانت تنبض بالألم فالخطوبة طالت سنوات ثلاث دون أن تلتقي بالخطيب إلا عبر الشات والاتصال الهاتفي في مناسباتها الخاصة يتبادلان الأحاديث الدافئة للحظات وما تلبث أن تفتر المشاعر في جوف البعاد.

تقول الفتاة التي أنهت دراستها الجامعية بعد خطبتها بأشهر قليلة:" قبل ثلاث أعوام طرق خطيبي باب قلبي استقبلته بمشاعر الود والتفاؤل خاصة أنه ابن أعز أصدقاء والدي والجميع رحب بأمر ارتباطي به، اتفقنا على اتمام الخطوبة في حفل عائلي صغير وترك الحفل الكبير للزفاف بعد عام في موعد إجازته السنوية القادمة فهو يعمل بإحدى دول الإمارات العربية المتحدة ".

تصمت:"لكن السنة امتدت لثلاث ولا أعمل متى ستنتهي "، تبرق في عينيها دمعة حزينة تجاهد في مسحها وما تلبث أن تعود لكلماتها المغموسة بطعم المرارة والأسى:" لم يمر وقت طويل حتى أنهيت تفاصيل جهازي جميعه فكنت حريصة على شراء جميع احتياجاتي وبقيت أنتظر نزوله لإتمام حفل الزفاف والسفر معه إلى حيث يستقر إلا أن ظروفاً طارئة في عمله لم تمكنه من النزول وقررنا تأجيل مراسم الزفاف إلى العام القادم لكن المعبر كان قد أوصد وانقضت إجازته دون أن يتمكن من الوصول إليَّ وعدنا مجدداً للتأجيل وفي كل مرة يحاول أن يخفف عني ويعدني بتحسن الظروف إن شاء الله الكريم وإقامة حفل زفاف أسطوري لكنه أبداً ما كان وفي هذا العام حينما سنحت له ظروف عمله حوصرت غزة ولم يجرؤ أحداً على الوصول إليها ".

تحمل زينة هم آلاف الناس الذين احتجزوا مثل خطيبها ولم يتمكنوا من الولوج إلى القطاع والآلاف أيضاً احتجزوا مثلها داخل القطاع ولم يتمكنوا من السفر إلى أماكن استقرارهم سواء العمل أو التعليم.

لقد قررت زينة وأهلها أن يتم الزفاف في مصر بعدما تعذر إتمامه في غزة، فحزمت حقائبها واستعدت للسفر عبر معبر العوجا مع والدها وما زلت تنتظر افتتاح معبر العوجا لتخرج لخطيبها.

زفاف بلا عريس

وإن آثرت حنان عدم إقامة حفل زفاف والانتظار مطولاً لحين انفراج أزمة المعابر و السماح لإحداهما بالخروج أو الدخول لإتمام حفل الزفاف المعد له جيداً والذي ينتظره الأهل، فإن مي لم تجد بداً من إتمام حفل الزفاف وحيدة مع صوت عريسها الذي شاركها والأهل حفل زفافه عبر الهاتف لعدم تمكنه من الولوج إلى غزة من الدولة التي يخطط فيها تفاصيل مستقبله قطر، تقول مي في ربيع عمرها العشرين:" اضطررت لإتمام حفل الزفاف دون وجود زوجي وكان ذلك صعباً جداً على نفسي فاللحظة التي كنت أنتظرها حرمني منها الاحتلال بإغلاقه للمعابر وحصار لقطاع غزة، تألمت كثيراً وبدت على ملامحي علامات الحزن رغم محاولة الجميع إسعادي في هذا اليوم لكن قلبي كان ينفطر فبدلاً من اللقاء كتب من البداية فراق لكنه بإذن الله لن يطول "، وتؤكد مي أنها أعدت نفسها جيداً وقامت بتسجيل اسمها لدى دائرة الشئون المدنية لتخرج إلى مصر عبر معبر العوجا في حال إعادة فتحه ومن ثمَّ تلتقي بالزوج الغائب في مصر، تقول:" هناك سأعيد حفل زفافي مجدداً لأشعر بفرحة العمر أتمنى أن تكون قريبة تحفها السعادة وبعدها سيكون الانتقال إلى قطر لأنعم برفقته فيكون لي سنداً وعوناً وأكون له ملاذاً دافئاً ".

وتتابع:"لم أكن أتوقع أن أزف وحيدة في الكوشة لكنه حدث والسبب الاحتلال الذي حرم زوجي من الولوج إلى غزة وحرمني من الخروج إليه حيث أن الدفعات التي خرجت عبر العوجا لم تتجاوز الدفعتين وتم إعادة الدفعة الثالثة إلى أجل غير مسمى "، ومع نبرة الألم والأسى يبقى الأمل نابضاً بقلبها باللقاء القريب بمن اختارته شريكاً للعمر.

حتى الزواج في غزة بات محكوماً بممارسات الاحتلال العريس والعروس يحددون موعد عقد القران والزفاف ولا مجال التنفيذ خاصة إذا كان العروسين من شطري مختلف في البلاد إحداهما داخله والآخر خارجه يربط بينهما ود واتفاق على مشاركة الحياة القادمة بمزيد من الصبر والعطاء مغلف بالوداد والإخلاص.